الادب والفنالتراث اللاماديمقال

منى علي..  صوت راسخ في الذاكرة 

من منا لا يعرف ذلك الصوت الذي عاصر جيل الأجداد والآباء والأبناء؟ يرحل جيل ويأتي آخر وذلك الصوت يتجلى ويتجدد من تلقاء نفسه.  

الفنانة منى علي، صاحبة ذلك الصوت الذي يجوب في مخيلات كل اليمنيين، الحاضر في حفلات الزفاف. تطربنا منى علي بصوتها الرنان وتعطي للزفاف نكهة خاصة، حتى أنها أصبحت طقسا من طقوس الأعراس في اليمن. 

تغني منى علي لتعطينا معها قصصا كثيرة للواعج الشوق وحكايات الغرام؛ غنت لكل شيء يوحي بجمال هذه البلاد، ويوحي بالإشتياق، غنت للزرع، والسفر، والحب، والهيام، والإغتراب، بصوتها الرقيق الساحر، غنت لتراث الأرض بمهاجلها الفياضة جمالا.

 وفي كل مرة تظهر منى علي بملالاتها التراثية كما لو أنها رائدة في الطرب تختزل بصوتها معاني كثيرة، تذكرنا بالوديان، والمطر، بجداول الماء ومرتفعات الجبال، وبريق الغيوم، تذكرنا بكل دار قديم، أو دخان صاعد من على أسطح البيوت، تذكرنا بالفصول، والحصاد، تذكرنا بكل شيء جميل حدث في الأرياف، والمدن كما لو أنها إحدى أعجوبات هذه البلاد. 

جاءت منى علي من طل الصباحات، من مشاقر الأمهات، ووجوه الجميلات، من مساءت الحب، من مهرجانات الأعراس، من روائح الكاذي والرياحين المنبعثة من شرفات البيوت ونوافذها، من أحاديث الليالي، ومن مدرجات الفلاحين، فلا يمكن أن نفصل صوتها عن أي شيء جميل في هذه البلاد، حتى عن عزف العود، وإيقاع الطبول، ولا عن الأنفاس الاهثة، فقد غنت بكل إخلاص، وهذا ما جعلها رائدة شعبية وتراثية في هذا الوطن.

ما إن تغني منى علي، يبدأ الجميع باستحضار أرواحهم، ويخشعون لبريق صوتها وحدته، يتنهدون للحظات التى عاشوها بالقرب من هذا الصوت، لم يبقَ بيت في اليمن إلا ومنى علي حاضرة فيه، سمعنا صوتها من مكبرات الصوت في أسطح البيوت، ومن النوافذ، سمعناها في الكاسيهات، وأشرطة المسجلات، ولم نتشبع من صوتها، ولم نرتوي منه. 

نستفتح به صباحاتنا، وأعمالنا، نستقبل الشمس به، نوقظ القُرى بصوتها الحزين الذي يلف العشاق ويتوسد رؤوس المحبين، وتعيد الصبى والطفولة وحياة مدفونة في أفئدة الكُهال.

ويتجلي عظمة فنها الشعبي في مخاطبة العروسة، حين تحكي حال الأمهات اللاتي يودعن بناتهن، حال الدموع المنهمرة، واللحظات السعيدة في آن، تحكي خليط من المشاعر وتحيك الشعور كما لو أنها مطرزة للمشاعر، تحيك من خلال صوتها صورة الأعراس.

 لا يمكن أن نتخلى عن هذا الصوت ولا يمكن أن يموت هذا الصوت من مخيلاتنا، ستبقى منى خالدة كفنانة تراثية وشعبية دون أفول أو موت، فلم يهدمها الموت بعد موتها ولم يمحي صوتها الأفول، بقت كما لو أنها لم تموت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *