بني الخُمُس، إرث تاريخي مهدد بالاندثار
مقال/ محمد الجعدبي
فئة من فئة المجتمع اليمني يقصد بهم المستضعفين الذين لا يحملون السلاح يُعطَون من خُمس الغنائم والحبوب والثمار التي يحصدها القبائل وينتشرون في شمال اليمن وفي المناطق الوسطى خاصة وفي مناطق الجوف ومارب والبيضاء يعيشون حياة قبلية متنقلة من قبيلة إلى آخرى في جماعات صغيرة يسمّون “بالدواشين” ويقصد بكلمة دوشان أنها مفرد كلمة دواشين وأصلها في اللغة العربية من كلمة الدوش أو الدوشة وهي كلمة عامية تعني الصراخ والازعاج.
ويُقال إن اسم دوشان محرف عن “ذو شان” وفي ذلك دلالة على الشأن العظيم والمكانة الكبيرة للدوشان الذي يرتبط بفن الدوشنة أحد الفنون الصوتية التي تعتبر مزيجا من المدح الشعري والأهازيج الشعبية.
ويشترط في القائم بهذا الفن ( الدوشان ) أن يكون طليق اللسان وصاحب صوت مرتفع مشبع بالبحة اللينة والرقة والغلاظة وطبقات صوت عالية، قادرا على تلوين أدائه ويصاحب صوته بحركات تعبيرية من وجهه تساير أدائه الصوتي حتى لو كانت أقاويله مكررة إلا أن الأداء الذي يؤديه يملك سر التجديد بفضل خبرة الدوشان وبراعته تلوين صوته.
لذلك فالكثير من الناس يراضونه ويتحاشون سلاطة لسانه فهو شاعر القبيلة الذي يقوم بنشر أمجاد القبيلة ومآثرها وتاريخها والتغني بها في مناسبات الأعياد والأفراح وذكر الانتصارات في الحروب لأبناء القبيلة وأحفادها ويبدأ الدوشان كلامه بكلام معروف ( حياك وحيا أبوك وحيا جدك يامكرم الضيفان ويا ويا ……………..).
ثم يذكر مكارم ومحامد الشخص الممدوح ووالده وجده حتى يصل إلى نهاية نسبه ثم ينتقل إلى الشخص التالي ويذكر محامده ومكارمه ومكارم أبيه وجده ثم ينتقل إلى التالي وهكذا حتى يكمل مديحه لكل من حضر تلك المناسبة.
فالدوشان يعتبر الوسيلة الإعلامية التقليدية للقبيلة يقوم بنقل الرسايل بين القبائل في أيام النزاع والحروب دون أن يتعرض لأي أذى لأنه شخص محايد وإخراج الجرحى والمصابين من أرض المعركة لاكلتا القبيلتين المتنازعتين فمهمته تشبه مهمة الصليب الأحمر في عصرنا هذا.
أما إذا كان الغزو من خارج القبيلة فإن الدوشان يتخلى عن صفة الحياد ويقف إلى صف القبيلة فهو يعتبر مهيج القوم ويتقدم الصفوف الأمامية للجيش ليثير حماسهم ويقوي عزيمة المترددين من أبناء الجيش.
وقد كان للدواشين دور كبير في أيام الغزو العثماني على حمل الرايات متقدمينن في الصفوف الأمامية وفي حصار صنعاء أثناء ثورة 1948 م من القبائل المناصرين للإمام أحمد حميد الدين ضد الثورة التي كان يتزعمها الإمام عبدالله الوزير كان دوشان” أرحب ” أول تسلق سور باب شعوب في مدينة صنعاء رافعا العلم الإمامي الأحمدي معلنا أنتصار وسيطرة رجال القبائل المواليين لللإمام أحمد لمدينة صنعاء.
وبما أنه يعتبر الناطق باسم القبيلة فمن مهامه إعلان ما يسمى بالظاهرة سوأ في الأسواق أو في الساحات أو أي مكان يكتض بالناس يبدأ بقول :يامن سمع الظاهرة مثلا: أنه قد صدرت الأوامر بأن على جميع من عليهم زكاة الحبوب لهذا العام أن يوردوها إلى مدافن الحكومة في المحل الفلاني.
ويختتم الظاهرة بقوله : “الحاضر يعلم الغايب” فالدوشان يعتبر جزء من الثقافة اليمنية والمورث الشعبي فهي مهنة يتوارثها الأبناء عن أبآءهم ويكتبونها في بصائرهم ويحرصون على إلا تنتقل إلى أحد أو يتعلمها غيرهم لأنهم يتميزون بمفردات ولغة خاصة بهم فهم لايقاسمون الأرضي أو البيوت وإنما يتقاسمون العزل والقرى.
ولا يمكن أن يتعدى أحد على الآخر أو يدخل قرية ليست مسجلة في بصيرته أما مساكنهم فهي خيام تصنع من شعر الماعز ويسمى ب( بالخدر ) مثل مساكن البدو وعندما يدخلون أية قرية فهم لا يضعون رحالهم في أرضية مملوكة لشخص معين وإنما يضعون رحالهم في أرض موقوفة لله وما يميزهم أيضا ملابسهم الشعبية التراثية التي تجعل فيهم مهابة فغالبا ما يرتدون جلبابا أسود يسمى ب( القميص )مفتوح الأكمام ومربوطة إلى خلف رؤوسهم ويتركون أيديهم عاريات ولفون نصف أجسمهم الأسفل بثوب أبيض يسمى ( المقطب ) وفي وسط البطن يحتزمون بالعسيب الذي تعلوه الجنبية اليمنية الشهيرة.
وكلا العسيب والجنبية مصنوعات من الفضة فهم أصحاب خبرة في الجنابي الصيفانية ويضعون على رؤوسهم قبعة سوداء تسمى ( الغترة ) ويحملون في أيديهم عصا طويلة تشبه الرمح على رأسها حربة تعطيهم مهابة عندما يلقون قصائدهم وهم متكئين عليها ويقاومون بها الكلاب والضواري في الطرق، فهم يعيشون حياة متنقلة بين أفخاذ القبيلة وبطونها ويحملون فأسا يسمى ب( الحطيبي).
وللدوشان دور كبير في حفظ أنساب أهل القبيلة والإلمام بنسب كل فرد فهو يعرف أصول القبيلة وإلى أي عرق ينتمي أبنائها ومن الدواشين من أصبحوا مشايخ في بعض القبل بسبب كثرة معاشرتهم للقبائل ومعرفتهم بالعادات والتقاليد والفصاحة في الشعر والمدح.
لكن بسبب تطور العصر فقد تلاشت هذه الجماعة وانخرطت في المجتمع اليمني وأصبحنا لا نرى سوى الدوشان الذي نعرفه في مجالس القات في المناسبات ونجهل من يكون الدوشان في الأمس البعيد .