الجداريات؛ صوت الناس وأحوالهم
أمير سلطان
“فن الشارع” في اليمن يمثل فضاء حرا للفنانين الذين يحاولون التعبير عن إبداعهم وهواياتهم قدر الإمكان للتفاعل مع الجمهور مباشرة، وكلما كان أكثر عفوية كان أكثر جذبا للناس الذين قد يجدون فيه بعض صوتهم المكتوم أو ذائقتهم التوّاقة لما يطربهم.
ويشمل هذا الفن الرسوم الجدارية والغناء الشعبي وكلاهما يتقاسمان أرصفة شوارع المدن حسب ما تسمح به مساحة الحرية في المكان المستهدف، وقد تنامى النوع الأول تحديدا منذ ثورة ١١ فبراير ٢٠١١، التي فتحت باب الحرية على أوسع نطاق قبل أن يضيق الباب مجددا مع بدء الحرب.
نقطة التحول
مع أحداث ثورة فبراير، والتي سمحت لمختلف اليمنيين التعبير عما لديهم من مطالب وأحلام وتطلعات عبر كافة الوسائل المتاحة بما في ذلك فن الرسم على جدران الشوارع وخاصة في المدن الرئيسية مثل العاصمة صنعاء وتعز وعدن وإب وذمار وغيرها، وتسابق الفنانون لتجسيد تلك المطالب والأحلام في لوحات بديعة لتكون بمثابة معارض مفتوحة للزوار ولجذب المزيد للاحتجاج والتظاهر.
وقد تنوعت تلك الجداريات بين صور الإخفاء القسري للعقود الماضية، وكان ذلك بمثابة إحياء لقضيتهم بعد النسيان، وازدانت صور الشهداء والأشكال الرمزية المختلفة التي تنشد التضامن والتلاحم والحلم المشترك لمستقبل أفضل.
ومع مرور الوقت، برز رسامون وشقوا طريقهم بأعمالهم من خلال تنظيم فعاليات ومبادرات ذات أغراض مختلفة ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، الفنان مراد سبيع الذي من أبرز حملاته “لوّن جدران شارعك”، والتي شارك فيها العديد من الرسامين.
ولا يزال سبيع ينظم مبادرات في هذا المضمار حتى في الخارج بعد انتقاله للعيش في فرنسا.
رسائل الفن
وفي هذا السياق، يتحدث الفنان مروان النجار الذي شارك مع سبيع في بعض المناسبات عن تجربة فن “جداريات الشارع”، قائلا إنه “بدأ هوايته للرسم في مدينة تعز، ولطالما نظر للفن كرسالة للحب والسلام ، ويجد فنه أقرب للمدرسة الواقعية التي توصل الفكرة بشكل أسرع إلى المشاهد مقارنة بالمدارس الأخرى”.
خلال مسيرته، تعلّم مروان هذا الفن على يد الفنان الراحل محمد قاسم، في بيت الفن بتعز واحتك بالعديد من الفنانين والرسامين، حتى زاد حبه وشغفه بهذه الهواية عام ٢٠١١، وفي حديثه ل “أوَم”، يشرح مروان الصعوبات التي يواجهها الفنان مع الحرب ومنها “صعوبة الحصول على التراخيص، وحصر الرسم الحر حول رسم محدد، فضلا عن عدم الاهتمام من قبل وزارة الثقافة بالفنانين بما في ذلك عدم رعاية المعارض الفنية التي تبرز المواهب”.
صعوبات الواقع
ويتفق معه في تشخيص الصعوبات، الفنان التشكيلي مشير أبو الرجال، الذي يرى بأن موهبة الرسم لا تجد أي اهتمام، في إشارة لغياب الاهتمام الحكومي.
بدأ أبو الرجال الرسم في سن مبكرة وكانت أول مشاركة له في التعليم الابتدائي ضمن مسابقة للمبتدئين وقد حصل حينها على إعجاب لجان التحكيم وحصد مراكز أولى، كما يقول ل”أوَم”.
وعن رؤيته للفن، يجيب “لكل فنان تشكيلي أسلوبه وتعامله مع الأدوات”، مؤكدا أن “مزاج الفنان ونفسيته هي المسؤولة عن جودة العمل، وكلما كانت الأجواء مهيأة كان الإبداع أكبر”.
شارك أبو الرجال في العديد من المعارض التي كانت تقام في العاصمة صنعاء مثل جدارية “السلام” عام ٢٠١٨، كما شارك في معارض عبر الانترنت.
وخلافا لفن رسومات الشوارع، يعتبر الفن التشكيلي قديما في اليمن؛ ويعود الفضل في ذلك لثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢ التي اهتمت بالفنانين وشهدت السنوات التالية لها إقامة مؤتمر لاتحاد هذا الفن ثم تطور بعد ذلك وأصبح تخصصا دراسيا في الجامعات والمعاهد وجزءً من دوائر وزارة الثقافة، وله معارضه ومناسباته وفنانينه الذين تزايد عددهم وذاع صيتهم للخارج.
منافذ بديلة
وعلى الرغم من صعوبة الواقع، إلا أن العديد من الفنانين خاصة الصاعدين لم يستسلموا للإحباط ويتوقفوا، بل فتحوا لأنفسهم فرصا للتعبير عن إبداعهم وكان الانترنت الملاذ المناسب، كما وجدته الفنانة براءة الأشول والتي تقول ل”أوم”، إنها بدأت الرسم في سن مبكر عبر خطوط بلا معنى وتطورت موهبتها ونافست برسوماتها في معارض عبر الانترنت، وركزت على إبراز الجانب التراثي، وقد حصلت على لقب “سفيرة الفن التشكيلي”، بحسب حديثها.
ومثل براءة، فقد بدأت دعاء عجلان، مسيرتها منذ الطفولة بالرسم العادي، وذلك برسم الشخصيات الكرتونية ومع الممارسة كبر شغفها وكبر حلمها، وتقول ل”أوم”، إن الفنان التشكيلي يجب أن يملك شغفا قبل أن يملك الجدار؛ وهي ترى أن الجداريات ليس بالأمر السهل وإن الفنان يجب أن يتعامل مع الجدار واللوحة بكل حب.
تشارك دعاء في المعارض التي تقيمها وزارة الثقافة إضافة إلى المعارض التي تقام عبر الانترنت وكذلك معارض الشارع، وهي تطمح إلى العالمية قائلة :”حلمي أن تزين لوحاتي شوارع باريس وموسكو”.