المهاجِل رفيقة العامل..
استطلاع/ محمد الجعدبي
ألا وهِيَّامة…..
ألا يخبرتي هؤلاء
صلوا على المولى .. صلوا عليه آلاف
آلاف بعد آلاف .. والسادة العراف
ألا وهِيَّامة …
يا عم يا هادي … يا نازل الوادي
جيب لي رمان … من رمانة الوادي
ألا وهِيَّامة …
بهذه الأهازيج التي تسمى “مهاجل” كان يدندن رجال عزلة بني مطر وهم يساعدون صديقهم الذي طلب منهم المعونة في إحدى أيام “الجزيب” الزراعية، بعد أن ذبح لهم رأسًا من الغنم إكرامًا لهم؛ والجزيب هو عبارة عن قطع أقصاب الذرة …
وقد أخذوا هذه المهاجل توارثًا من آبائهم وأجدادهم -كما ذكر الحاج علي الجعدبي أحد ساكني بني مطر- وهم يدندنون بها صباحًا ومساءً وفي كل المناسبات، فكما أن للعيد والأفراح عادات وتقاليد خاصة فهنالك أيضا مهاجل خاصة بها، فهنالك ما يسمى عند أهالي القرى الريفية بالعيدية والصبحية والرزفة؛ وقد تحدث الحاج يحيى الجعدبي -70 عاما- إلى أوام قائلا:
في العيدية كنا نسير للقرية التي جنبنا (( ظهران )) نقول فيهم حادي حق الأعياد، نسجل المهاجل في ورقة وبسم الله الرحمن نقول فيهم حق العيد ولو كان في المهجل شدفة (شتمة) ظريفة، كنا نجتمع الشباب الذين هم في عمري من أبناء القرية مع العاقل لأنهم كانوا ينامون في نفس البيت؛ كانوا كل يوم يخزنوا عند واحد كان الناس أسرة وكتلة واحدة ما يتفرقوش أبدا أبدا؛ ومن المهاجل التي كنا نلقيها على أبناء أهل القرية الثانية
أولا: نمسي عليهم
نقول مساء الخير الخير قد جينا
نقول مساء الخير ياصحابنا
لكم بالعيد نعود لكم بالخير قد جينا
من القرية الثانية بالعود والند والكاذي معنا
نقول مساء الخير يا أحلا الرجال جينا
نهني عليكم جينا..
كان الناس حاليين كان نقول شتم صغيرات ظريفات قلنا :
قلنا جر الجمل ياجرار وجر
لا وسط ظهران طير يستجِر “أي طير وصل”
وبعدين نبدأ نخصهم على واحد واحد؛ نشتمهم شويه مثلا :
فلان قد عمر فوق المرد
قال ماعدنيش دم قدني أسد.
من هذه الحاجات .
أما الرزفة في الأعراس يقوموا بها أربعة للضيوف؛ اثنين يشلوا واثنين يردوا، كانوا يفعلوا مزمار وبرع لا نصف الليل وبعدين يقوموا يرزفوا البالة ويقولوا :
عن قل مساء الخير للديوان ومن قد سمر
عن قل مساء الخير للزارع ومن يحصد ثمر
عن قل مساء الخير للسامر ومن جاء سمر
أهلا وسهلا. فوق الرأس لا فوق القمر
يشلوا بالبالة للفجر لأنهم كانوا يسمروا لما تشرق الشمس، وبعدين يسيروا يصلوا الفجر ويبكروا يشلوا بمهجل الصبحية؛ مجموعة تشل ومجموعة ترد من الجانب الثاني :
فتاح رزاق قاضي كل حاجه ودين
صبحتنا ورضا علينا باليقين.
وفي موسم الزراعة الذي يصحبه الكثير من التعب كانت المهاجل هي المُرَبِّت الأول للعامل، حيث يتغنى بها متناسيًا ذلك العَرق الذي يتصبب من جبينه، وذلك الإنهاك الذي ينالُ جسدَهُ المُتهالِك وهو يحرث الأرض ويزرع البذر ويحصد الثمر، وكان يبدأ بها شخصا ويردد بعده الآخرين أو كما يقولون بلهجتهم “نشِل بعده”..
وهنا تحدث إلينا الحاج منصور أحمد -67 عاما- قائلا: ايام الصراب وحصد الشعير والبر والبلسن (العدس) كنا نقول هذه المهاجل:
وارد وارديه وعلى الوارديه
يامن شرق اليوم هو يلقى لقيه
هو يلقى الفواطم هو يلقى عليه
هو يلقى الفواطم بنات النبوه
مال الخل ماله ما لقاني
أو شرق يبدل بالحيسي صياني
يا شرح المولع وارد وارديه
واسقي نهم وأرحب واسقي الحارثية
وارد وردية وعلى الواردية
يامن شرق اليوم هو يلقى لقيه
يا حلا لو جيتوا اليوم
يا حلا يا حلو حالي …. يا حلا سميت حالي
يا حلا أحوال وحالي ….. يا حلا أحوال الرجالي
يا حلا لو جيت أمس ….. كانت القبلة بخمس
وبعدين يرجعوا لمهجل :
قوى لهم قوى …حيا لهم بَرَدُوا
مالهم بردوا …. حال ما وردوا
وعند “الدويم” عندما نقوم بربط ثلاثة أو أربعة أثوار ونمشيهن فوق الزرع بشكل دايري لو ما نفصل الحب من القشرة حقه ونغرد بمهجل :
ما دومة إلا دومة العشية …. ما دومة الباكر تقع ندية.
أما عندما “نمذح” نفصل الحب من التبن ونوضعها على الريح ، ونهجل للرياح بهذه المهاجل :
هبي نويد يانايده …. يامن عليش الفايده
ألفين قدح والزايده ….. هبي سقاش الله ياهليلة
والمهم لا شي معانا بيت من المهجل نشل به ونكرره،،
وإذا شرَق (تأخر) علينا الغداء نغرد بمهجل :
يالودها يا لودية زارت “مرَه” يهودية
مشرقة بالغدية وحبها في المودية (برمة المطحن)
وعيشها ناضج نية يالودها يالودية
واليوم دنيا دانية يالودها ياودية…
ومما يميز الريف هنا في بني مطر هو تعاونهم فيما بينهم، ويسمون عملية التعاون هذه ب”العانة أو المعونة” ولها عادات وتقاليد خاصة بها، ويحدثنا عنها الحاج قاسم مصلح -56 عاما- قائلا:
إذا أراد واحد من أهل القرية يريد معونة؛ يقوم يأخذ الشال حقه و”يُعصُب” الدعامة في الجامع يوم الجمعة، وبعد الصلاة يقولوا المصلين: من عصب الدعامة؟
ويجاوبوهم ناس ثانيين: فلان.
يسألوا: ما يشتي ؟
يردوا عليهم: معونة!!
يقولوا: إرحب؛ أي يحين؟
وحددوا له يوم إما السبت أو الإثنين أو أي يوم فاضيين فيه،
وفي معونة “شرَف” اللي هي خلع أوراق الذرة، أو معونة “جزيب” يعني قطع قصب الذرة، أو معونة صراب أو بناء “مخارب” أجدر الأراضي الزراعية، أو شقاء وبل؛ والمهم أي عمل يحتاج فيه معونة، يجتمع فيها الشباب القادرين على العمل، مثلا إذا كان جزيب كل واحد يشل شريمه، وإذا كان شقاء وبل كل واحد يشل مفرسه ويسير إلى موقع العمل، وإن كان العمل الصباح يذبح صاحب المعونة رأس غنم ويفعل هريش أو عصيد ويغدي العاملين معه أما إذا كانت المعونة بعد الظهر يفعل أقرص بلسن ( خبز عدس ) وفرخ (جرة) قهوة يتقهووا العاملين ويشقوا إلى غروب الشمس ويروحوا كل واحد يروح بيته وصلاتك يا نبي..
وأكثر المعونة كانت في حصد الذرة؛ لأن الذرة كانت تزرع أكثر شي.. فإذا كانت المعونة جزيب كنا نغرد بالمهجل هذا :
ألا وهيامة جزيب هيامة
دنين ولا مامة ألا وهيامة
هيامة الوادي هيمتها وحدي
إنا وأخي مهدي والناس من بعدي
بعدي وقدامي بعدي بني عمي
بطاسة الرعدي بيدنها بعدي
بيدحدحوا قصبان في شاطي الوادي
يا وادي البيضاء يا وادي أخوالي
بيضاء ولحماني
هات ياشريمي هات
يا حد ابو سنه أضرب وللمنه
ألا وهيامة
ألا يخبرتي هولاء
صلوا على المولى صلوا عليه ألآف
ألآف بعد ألآف والسادة العراف
ألا وهيامة
يا عم يا هادي
يا نازل الوادي
جيب لي رمانة
من رمانة الوادي
ألا وهيامة
جزيب هيامة لو ما شريمي لي
ما حد وهب لي شي قد كنت أسير واجي
ماكنت أسوي شي ألا وهيامة
يا ديشري يا أعيب خلي الغنم تشرب .
وفي معنا أيام الشرف اللي هي خلع أوراق الذرة كان علي محمد، وأحمد الدولة الله يرحمهم يبدأوا يشلوها جمعه وقد الشمس غائبة:
ما روحه واسير بلادي ورحل عليه يا شاهدي
ما روحه يا روح الأرواح يا دواء القلب الجراح
ما روحه قد راحت النوب قد دنت شمس الغروب
ما دنت شمس المحبين على القراب والمبعدين
على النبي وحنا نصلى
عليك يا باهي الجمالي
وكان أحمد الدولة وعلي محمد حمود يشلوا بحق الأهجر هذك الأيام يا صديق حالي كان يشلوها جمعه :
قلت يا شيخ في الأمة ولك ياعاقل إرفع
فك للمحبوس ليلة ويرجع
قلت ماله صلب ولا به ثور يتبع
حمحمه فالجبل والقاطبي في ألوية
قلت يا حمحمي ظل تحته شوية
أما أيام القليم نغرد بمهجل :
قليمها قليم والرعد والزنين
لو ما شريمي لي ما حد وهب لي شي
حين كان أسير واجي ما كان أحصل شي
وبهذا نتعرف على أحد الموروثات الشعبية الجميلة في بني مطر والتي ما زالت تصدح إلى يومنا هذا من أفواههم المعتقة بعبق التراث الجميل، فما أجملها من أيام مضت، رحلت ورحل أصحابها تاركين لنا هذا الأثر الذي يعبر عن هويتنا الوطنية ويحفظها من الاندثار والتلاشي في عاصفة العولمة التي تسرق من المرء هويته..