الشعر الشعبي..القصيدة الأقرب للناس
تقرير: رأفت أحمد
يحظى الشعر الشعبي في اليمن برواج واسع لسهولة فهمه وبساطة تعبيراته وأغراضه ويتميز – وفقا للنقاد- بعناصره المتعددة بما فيها الأهازيج والزوامل والبالات والمواويل وأغاني المزارعين وكذلك الألغاز والأحاجي.
ويعتبر هذا الشعر فرعا من فروع الأدب الشعبي، أو ما يسمى بالفلكلور أو الممارسة الإجتماعية الثقافية، وهو بحسب الأديب صالح الآنسي “الشعر الذي يستمدّ كلماته وألفاظه وطريقة أدائه ومعانيه وأسلوبه مِن الحياة العامّة أو الشعبيّة، حيث يكتب بكلمات من اللهجة المحكية بين الناس، ولا يستخدم الفصحى، لكنه يختار أجمل التوصيفات التي يقولها الناس في كلامهم ولهجتهم المحكية”.
البساطة والسهولة
ويفرّق الآنسي في محاضرة قديمة له بين الشعر العامي وبين ذاك الموصوف بالنظم العبثي، محددا صفات الشعر الشعبي ب”البساطة والقوّة التي لا تتأتّى لأيّ أحد ، وقول الشِعر الشعبي يُعدّ مهارة جامعة؛ فالذين يكتبونه يُعبّرون عن أصالة القبيلة والبادية والريف والحارات الشعبية وأزقة البيوت وطبيعة الحياة وصعوبتها في موضع، وجمالها وسهولتها في موضع آخر، والشاعر هنا يبحث عن أعذب مُفردة وأكثرها تلقائية ليكسبها المعنى الذي يطير إلى أذن المتلقي ويرحب بها”.
من جانبه، يرى الشاعر الدكتور عبد الولي الشميري في حديث سابق له بمناسبة إشهار جمعية الشعراء الشعبيين اليمنيين على موقعه -بديوان الشعر الشعبي- أن “الشعر الشعبي هو الأقرب والأطرب لعامة الناس في كافة شعوب الأرض، وهو الإيقاع الصوتي الذي ترضعه أذن الشاعر الشعبي الموهوب منذ صباه في بيئته ومراتع طفولته، فمفرداته مأنوسة لدى العامة وموسيقاه طروبة عذبة زجالة مُرقصة، وفيها الغزل التصويري البليغ الذي يقوم على المفردات العامية المختزلة، والإيماءات الفنية المقتضبة”.
ويتمتع الشعرالشعبي في اليمن كما يقول الأديب الآنسي “بالثراء الكبير وهو زاخر بألوان من الشعر التمثيلي والقصصي والغنائي، ويشبه في غالبيته العظمى الموشحات الأندلسية، ففيه التوشيح والموالي والتقفيل والدوبيت وكذا التشطير والتربيع والتخميس، إلاّ أنه موشح من نوع جديد، فهو ملحون لم يراعَ فيه الإعراب بقدر ما رُوعي فيه الإيقاع الغنائي والضبط الفني والعروضي، ولكنه يمتاز ببلاغة التعبير وحسن السَّبك حتى أنه ليلحق بالموشح الشعري”.
المدارس والشعراء
يشرح الشاعر الشميري أنواع مدارس هذا الشعر ومناهجه الفنية قائلا :”في الشعر الشعبي اليمني مدارس عديدة، ومناهج فنية ذات قواعد، وقيم نقدية أقرب ما تكون للموشحات، و”الدوبيت” التي وفدت من مدارس خراسان وأصفهان وشيراز، ومن هذا الشعر الشعبي رضعنا الحكم الشعرية وقواعد القيم التي تنسب للحكيمين اليمنيين الحُميد بن منصور الأبيني، وحِكمه شهيرة في الغرب والجنوب اليمني، والحكم علي بن زايد اليحصبي الذي شاعت وذاعت حِكمه الشعرية في الوسط والشمال اليمني حتى لكأن حِكَم هذين الحكيمين آيات محكمات لدى العامة والزراع”.
وبحسب الشميري، فإن “الشاعرين الشعبيين الرائدين في تيار الشعر الشعبي هما ابن شرف الدين الكوكباني والفقيه مهير الزبيدي، ولا يعززا بثالث رقةً وشجاً وتأثيرًا، وأشهر قصائد الغناء اليمني هي تلك التي غناها مشاهير العزف والطرب في اليمن، وهي ذاتها التي جمع معظمها الشاعر الكبير محمد عبده غانم في كتابه “شعر الغناء الصنعاني” وتوج موكب هذا الفن عددٌ من الشعراء المعاصرين في اليمن، كالشاعر مطهر بن علي الإرياني، وعبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضول)، وحشد لا أستطيع ذكرهم هنا من الموهوبين”.
الأكثر انتشارا
من جانبه، يشير الأكاديمي والباحث د. علي صالح الخلاقي، إلى أن لهذا الشعر في يافع بلحج جنوب البلاد “طقوسه المميزة ومكانته الهامة التي جعلت منه، بكل فنونه، الشكل الأدبي الأكثر انتشاراً وتأثيراً في صفوف المجتمع، وكان الشعراء يحظون بمكانة رفيعة في المجتمع القبلي، فهم لسان حال القبيلة في الذب عن حياضها والدفاع عن سمعتها وإعلاء مكانتها أمام الخصوم، وبهم تتفاخر القبائل، وعليهم تتوقف إحياء الأفراح والمناسبات التي يكون الشعر والغناء أو الزامل عنوانها الرئيسي”.
ويتابع في حديثه ل”أوَم” أنه رغم كثرة شعراء يافع على امتداد الحقب الزمنية الماضية وجودة أشعارهم وتعدد موضوعاتها وأغراضها المطروقة، إلاً أن أحداً منهم يحظى بشهرة الشاعر الشعبي المعروف (يحي عمر اليافعي ” أبو معجب”).خارج يافع، بسبب العزلة التي عاشتها المنطقة وشيوع الجهل والفتن القبلية التي كانت السمة الرئيسية لعهود ما قبل الاستقلال الوطني “١٩٦٧م”.
ومن بين هؤلاء الشعراء المعروفين “ثابت عوض اليهري، والخالدي، اليزيدي، من أبناء يافع”، وقد غنى لهم الفنان علي صالح اليافعي.
التراث الشعبي
ووفقا للخلاقي، فقد “انتشرت أشعارهم في كثير من المناطق، حيث أصبحت جزءً من التراث الشعبي، لأنها تتوافق مع مزاج الناس ومع رغباتهم وغاياتهم، لذلك يحفظونها في ذاكرتهم وتتناقل شفاهة من جيل إلى الجيل؛ رغم أن كثيرين لا يعرفون شيئاً عن أصحابها”.
وفي رأيه فإن “أشعارهم تمثلت الحكمية في اقوالهم، وتتلخص في قوالب شعرية جميلة الكثير من الحكم والأمثال الشعبية المستمدة من تجارب الحياة أو من التراث الديني أو من التقاليد الاجتماعية، وهي عبارة عن مواعظ ونصائح وقواعد أخلاقية ذات جذور تاريخية ولها ارتباط حميمي بالسلوك الجمعي المتوارث”.
ولا يخفي الباحث الخلاقي إعجابه بالشاعر الشعبي صالح سند لما وجد في شعره من أسلوب “ينشد الحكمة و يوشي بها شعره”، واصفًا إياه بأنه “شاعر حكيم حقا تعمق في هموم القلب الإنساني وعبر عما يجول في النفوس، وجعل من قصائده رسالة أراد توصيلها لأبناء مجتمعه، ويجد المرء في شعره بلسماً شافياً للروح، وقبساً منيراً في الليل الحالك، لذلك أحبه الناس تضمنت الذاكرة الجمعية الخلود لشعوره”.
تراث الاجداد يحيه الاحفاد